Archive for the ‘هؤلاء هم تلاميذ المسيح’ Category

تلاميذ وحواري يسوع المسيح

24 نوفمبر 2011

.

الفصل الثاني: صفات تلاميذ يسوع

30 تموز/يوليو 2010

إذا ظن أحد أن الذين علّمهم يسوع ومنهم الاثنا عشر كانوا أشخاصاً مثاليّين فهو على ضلال . وقد نميل إلى هذا الخطأ لكونهم أشخاص الكتاب المقدّس ولكونهم بعيدين عنّا الآن. لكنهم كانوا بشراً وقد اتَّصَفوا بما في البشر من قصور و ضعف ، و البشرية آنذاك لم تكن تختلف عما هي عليه الآن إذ رغم التغييرات التي تحصل في الظروف المحيطة فإن الطبيعة البشرية تبقى كما هي.

ويصحُّ هذا القول على جميع العصور والبيئات وأحوال الثّقافة والمدنيّة. وقد عبّر”ول روجرس” عن دوام الضّعف في الإنسان بتعليقه على مؤتمر دوليّ للسّلام في أوربّا قائلاً “لا تزال هناك مشكلة صغيرة يجب أن يحلّوها وهي مشكلة الطّبيعة البشريّة.”

1- كان طلابه غير كاملي النّمو شخصياً:

كان هؤلاء الذين عاملهم يسوع لا يزالون بعيدين جداً عن حدّ الكمال في بدء عمله معهم وبقوا كذلك إلى انتهاء مدّة تعليمه إيّاهم. كانت فيهم فقط جرثومة الشّخصية الكاملة .

فلا نحتاج إلى التمعُّن في أمرهم لكي نرى ضعفهم وعدم كمالهم. فهذا يوحنّا لم يقدر أن يكبح حدّة طباعه وفشل فشلاً تامّاً في إظهار محبّة يسوع للسامريّين الذين أظهروا الجفاء وقلّة الأدب. وكذلك سمعان الذي كان عتيداً أن يُسمَّى “بطرس” أي “صخرة” وعد يسوع بأنه يبقى معه حتى ولو تركه الجميع غير أنه بعد بضع ساعات فقط أنكره ثلاث مرات مؤكداً إنكاره بالحلف.

و تصلّب توما في رأيه ولم يصدّق قيامة المسيح ويهوذا الاسخريوطي بعد معاشرته للمسيح باع معلّمه لأجل ربح مادّي قليل.

2- كان طلابه حادِّي الطّباع:

لم يكن تلاميذ يسوع غير كاملي النمو فقط بل كان قد نما فيهم بعض الصفات الرديئة. وأوَّلهم بطرس . كان بطرس أهوج يعمل فوراً ثم يتأمّل في ما عمله بعد فوات الوقت.” ومثالاً على ذلك قفزه إلى البحيرة في الصباح البارد لكي يسبح إلى يسوع على الشاطئ بينما كان بإمكانه أن يأتي إلى الشاطئ في السفينة مع رفاقه (يوحنا 21:7). ومرة أخرى رفض أن يغسل له يسوع رجليه ثم إذ علم أن ليس له مع يسوع نصيب إن لم يقبل بذلك طلب إليه أن يغسل له رأسه ويديه أيضاً (يوحنا 13 :9). و المثل البارز في تسرعه هو قطع أذن عبد رئيس الكهنة حين إلقاء الأيدي على يسوع (يوحنا 18: 10).

كان يوحنا أيضاً سريع الغضب فسماه “ابن الرعد”. وظهر هذا الطبع فيه لما دخل هو والتلاميذ الآخرون إلى قرية سامرية ليعدوا مكاناً ليسوع ورفضوا لأنهم كانوا متجهين نحو أورشليم والسامريون لا يعاملون اليهود – فاحتدم يوحنا غيظاً وقال “يا رب أتريد أن نقول أن تنزل ناراً من السماء فتفنيهم؟” (لوقا9: 54) فما أبعد هذه الصفة فيه عن الشيخ المسن الذي قال “من لا يحب لم يعرف الله” (1 يوحنا 4: 8).

وكان آخرون من المقربين إلى يسوع نزقي الطباع أيضاً، فسمعان الغيور كان عضواً في حزب سياسي متطرف كما يظهر من اسمه وهو سواء أكان شخصية متطرفة في حزبه أم لا فإنه كان من جماعة انقلابية لما دعاه يسوع ليتبعه.

أما يوحنا المعمدان فقد كان ذا طبع حاد لا يتقيد بعرف أو عادة فهو يترك صيامه ليجوب البلاد لابساً ثيابه الخشنة و يدعو الجيل الملتوي والشرير إلى التوبة.”خرج وعيناه كلهيب نار ليقدم للناس دعوته المطلقة. وكانت كلماته المحرقة تلفح السامعين وتخرق إلى ضمائر غشتها الخطية بطبقة سميكة.” وحتى متى لم يكن محافظاً جداً. يقول “ت.ر.غلوفر” كان العشار بينهم مثلهم تسعاً وحدة فقد ترك عمله في مصلحة الجمارك حالاً عند إلقاء كلمة عليه وفي هذا دليل على التسرع والنزق وحرارة القلب“.

3- كان طلابه خطاة:

واجه المعلم أشخاصاً غير كاملين، غير بالغين، متسرعين في العمل، وفضلاً عن هذا كله كانوا ميالين إلى الخطية. ومع أن بعضهم أصبحوا فيما بعد مسيحيين بارزين لم يكونوا دائماً أتقياء كما نتصورهم نحن ، والرسّامون عملت فيهم دوافع وشهوات لولا المُثُل المسيحية التي ضبطتها لكانت أدّت بهم إلى الشرور الواضحة. والحق يُقال إن ذلك هو ما حصل في البعض ففعلوا ما ندموا على فعله .

كان بعض الذين علمهم يسوع وغيّر حياتهم قد انغمسوا في الشر إلى درجة بعيدة وأحدهم رغم معاشرته يسوع مدة سنوات وإشغاله مركز أمين صندوق للإثني عشر استسلم للطمع وباع معلمه بثلاثين من الفضة. لكن يهوذا لم ينهزم وحده بين المقربين إلى يسوع أمام الميول الشريرة بل بطرس أيضاً التجأ إلى المراوغة لكي يضلل الناس عن معرفته وينجو من ورطة. وانهزم يوحنا أمام طبعه الغضوب وتعصبه وكذلك أمام كبريائه فطلب من يسوع امتياز الجلوس عن يمينه. وعاونه يعقوب في طلب المكانة الاجتماعية والقوة السياسية. “هناك بين التلاميذ ظهر الاحتكاك الذي هو طبيعي بين الطموحين وحتى في العشاء الأخير كانت أفكارهم تدور حول العروش والنفوذ“. (مرقس9: 33 و10: 37 ولوقا 22 :24). وبالفعل اشترك الجميع في المخاصمة على من سيكون الأعظم.

4- كان طلابه جهالاً:

إن قولنا أن عقول طلاب يسوع كانت مظلمة وغليظة بالإضافة إلى كونها متحيرة قد يظهر استخفافاً بهم وإهانة لهم. لكن لا بد لنا من أن نقول –إذا أردنا أن نفهم تماماً الوضع التعليمي الذي واجهه يسوع-أن تلاميذه أتوا من عامة الناس الذين مارسوا الصناعات لا المهن فلم يكن لهم الأدب والعلم اللذان تمتع بهما أصحاب المهن. وهذا النقص عرقل فهمهم إذ لم تكن عقولهم مدربة على إدراك الحق.

ولم تكن هذه العقبة الوحيدة بل كانوا يهتمون بالماديات في الحياة وبالطقوس في الدين فعرقل هذا الاهتمام فهمهم للحقائق الروحية لأن هذه “يحكم فيها روحياً”. فإن الجهل ووجهة النظر المغلوطة كليهما يعرقلان عمل المعلم إذ يصعب عليه أن يتغلب على الغموض الفكري والرأي المعوج. …لقد علمهم مدة ثلاث سنوات وخاب أ مله فيهم بصورة مستمرة” .

ومثالاً على سوء فهمهم أنهم بالرغم مما سمعوه عن جوهر ملكوته وبالرغم من كل ما فاه به عن طبيعته الشخصية الباطنية القلبية ظلوا بالإجمال ينتظرون منه تأسيس مملكة مبنية على القوة كما يفعل الحكام العالميون. وحتى أقرب أتباعه كيعقوب ويوحنا طلبا أن يجلسا عن يمينه وعن يساره- رئيس الوزراء ووزير الخارجية!

ولا يخفى سوء الفهم لتعليمه عن القيامة- قيامته وقيامتنا. ورغم أنه قال أنه سيقوم في اليوم الثالث لم ينتظر ذلك بل دهشوا من قيامته. وكما رأينا طلب أحدهم وهو توما برهاناً قاطعاً قبل أن اقتنع.

فرغم وضوح تفكير يسوع وجلاء تعبيره فشل أذكى طلابه وأكثرهم رغبة في التعلم عن إدراك معناه. فلا نبالغ إذا قلنا أنه شعر بالفشل وخيبة الأمل طيلة خدمته العامة لأنهم لم يدركوا معنى الحقائق التي علمها.

5- كان طلابه متحيزين:

تكفي مهمة يسوع صعوبة، حتى على معلم عظيم، أنه واجه تلاميذ غير كاملي النمو روحياً و خطاة حادِّي الطباع ومتحيرين و جُهَّالاً ولا نقف عند هذا الحد لأن صورة حالتهم لم تكمل بعد. كان التحامل والإجحاف يسودان على عقولهم فلم تكن هناك قابلية لفهم الحقائق التي قدمها يسوع وهضمها. ويصح هذا القول على كثيرين من طلابه وعلى أكثرهم بالنسبة إلى بعض الأمور.

غلب التحيّز على يوحنا لدرجة أنه لم يسمح لمن ليس من جماعتهم أن يُخرِج شيطاناً ويصنع خيراً (مرقس 9: 38). وكان التحيز أصل بعض الصفات السيئة المذكورة سابقاً.

إذاً واجه يسوع طلاباً متحيزين كانوا مستعدين لإملاء بطونهم وشفاء أمراضهم لكنهم لم يرضوا بما يؤخر مصلحتهم أو يغير عاداتهم في الحياة.

6- كان طلابه مُتَقلقلين:

لو استطاع تلاميذ يسوع أن يقوموا بأعمال تتناسب مع ما بذل في سبيل تعليمهم وتفهيمهم لجاءت النتائج جيدة جداً. لكنهم لم يستطيعوا ذلك لأن انحطاط الإنسان وتغلُّب أهوائه عليه يُفسِدان صفاء تفكيره ونقاء عواطفه ويُضعِفان إرادته أيضاً. ويصح هذا القول على التلاميذ كما على غيرهم. ولِذا لم يستطع البعض أن يضحُّوا بأمور دنيوية لكي يتبعوا يسوع ولا أن يتحملوا الصعوبات وخيبة الأمل التي كانت تواجههم في خدمته أحياناً. وكان اهتمامهم بخدمته يضعف أحياناً حتى أن أقرب أصدقائه كان يتردد في الاستمرار معه. فكان مثلهم مثل التربة المتحجرة والبذور التي نمت بسرعة ثم ذبلت تحت حرارة الشمس.

وما لبثت الاضطهادات والضيقات والتجارب أن قللت عدد أتباعه. قال أحدهم: “ابتدأ كثيرون باتِّباع يسوع ثم خارت عزائمهم فتركوه وحتى يسوع نفسه لم يستطع أن يَحُولَ دون تركهم إيَّاه. وبعد أن خاطب ألوف الناس وعلمهم التعليم الأعظم والأنفع مدة ثلاث سنوات لم يكن له أكثر من مئة وعشرين تلميذاً وهم بحاجة إلى تشجيعه في أيام خدمته بعد القيامة“.

وشاع التراجع بين أتباع يسوع مرة لدرجة أنه التفت إلى الاثني عشر بحزن قائلاً: “ألعلَّكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟” (يوحنا 6: 67). وبعد الصلب رجع أتباعه الموالون إلى مهنتهم القديمة ظانّين أن لا فائدة من خدمته فيما بعد.

فإذا كان يسوع الذي يفوق كل ما نأمل أن نكونه يجد هذه الصعوبات الكثيرة في تعليمه، وإذا كان عمله قد ظهر فاشلاً من حيث النتيجة إذن يجب أن لا نتعجب إذا لم يعط عملنا النتيجة التي نريدها.

>